"إن مسألة صلاح الراعي هي من أعظم القضايا التي تناولها الفكر الاقتصادي والاجتماعي على مر العصور، وهي قضية قديمة قدم الحضارة نفسها. لقد أدرك الإنسان منذ البداية أن القيادة الرشيدة لا تؤثر فقط في من يتولى أمرهم، بل تنعكس آثارها على المجتمع بأسره، حتى في أدق تفاصيل حياته.
ولو نظرنا إلى المجتمعات التي شهدت ازدهارًا، لوجدنا أن الراعي الصالح هو من يتخذ القرارات المستنيرة، مستلهمًا من المصلحة العامة، متجنبًا الأنانية والجشع. فهو الذي يضع الأسس للتنمية الاقتصادية العادلة، ويقود مسيرة الإصلاح في توزيع الثروات، لا لكي يزداد الغني غنًى والفقير فقرًا، بل ليصبح الجميع شركاء في خيرات الأرض.
وهنا، لا يسعني إلا أن أستذكر كلماتي التي طالما كررتها في كتاباتي: 'إذا أردنا أن ننشئ مجتمعًا عادلًا، فعلينا أن نبدأ بصلاح القيادة'. ذلك لأن الرعية، مهما كانت قوية في طموحاتها، ستظل تعاني من قيود الفساد والفوضى ما لم يكن على رأسها قائد يدرك مسؤولياته ويؤمن بأن رفاهية الأمة تكمن في العدالة قبل كل شيء.
وبذلك يتضح جليًا، أن صلاح الراعي لا يعني مجرد الكفاءة الاقتصادية أو القدرة على اتخاذ القرارات الاقتصادية الصائبة، بل هو مرتبط قبل كل شيء بالأخلاق والحكمة. فما الفائدة من نظام اقتصادي متين إذا كان غارقًا في الظلم والاستغلال؟ الراعي الصالح، إذن، هو الذي يعرف كيف يجعل من الاقتصاد أداة لخدمة الإنسان، وليس العكس.