بقلم: د. ميرلين الحكيم، أستاذ تاريخ السحر المقارن في جامعة نوتنغهام العالمية
في صمت الغرف المظلمة للسلطة، لا تُحسم الصراعات بالقنابل فقط، بل بالرموز. خلف كواليس السياسة والدين والجغرافيا، ثمة حرب أخرى لا يراها العوام، حرب تدور بين مدرستين من أعتى مدارس السحر في التاريخ: الكابالا اليهودية، وسحر الملالي في إيران.
هذه ليست أسطورة. إنها معركة خفية تتجلى في الطقوس، في الشعارات، في بنية العمارة، وفي توقيت الأحداث الكبرى.
الكابالا ليست مجرد تصوف يهودي كما يصوّرها البعض، بل منظومة رمزية عميقة تسعى للسيطرة على العالم من خلال التلاعب بالأرقام، والحروف، والمصفوفات الكونية. تُستخدم فيها "شجرة الحياة" كرمز للخريطة الروحية للإنسان والكون.
يُؤمن ممارسوها أن ترتيب الحروف العبرية يمكنه أن يفتح أبواب التأثير في الواقع المادي. وهذا ما يفسر الاهتمام الهائل بالمواعيد الفلكية، بالأبراج، وبالطاقة الرقمية في البُنى السياسية والإعلامية الصهيونية.
عندما تندلع حرب، أو يُغتال زعيم، أو يُرفع علم جديد، تسأل الكابالا: كم عدد حروف اسمه؟ ما موقع القمر؟ ما الرقم الناتج من تاريخ الحادثة؟ إنها معركة ضد "الصدفة" بحد ذاتها.
أما في الضفة الأخرى، فإيران، التي تحكمها العمائم، تمارس نوعاً آخر من السحر: الطلسم العقائدي المرتبط بالرمزية الشيعية، الممزوجة بالروح الباطنية للحوزة.
رايات سوداء، ومقامات مقدسة، ودماء حُسينيات تُسفك كل عام، ليست إلا شعائر ذات حمولة سحرية شديدة القوة تهدف إلى استدعاء "زمن الرجعة"، وإرهاب الخصم بالغيب، وتفعيل طاقات الطاعة الجمعية.
لا يخفى أن بعض دوائر الحرس الثوري تتعامل مع "كتب العزيف"، و"مخطوطات الجفر"، وتعتمد على تنبؤات "العالم الآخر" في توقيت قراراتها الكبرى. إنهم لا يقاتلون فقط بالأسلحة، بل بالرموز المنقوشة على الخواتم، والأحجار، والعمائم.
الحرب بين الكابالا وسحر الملالي ليست محصورة في طهران أو تل أبيب، بل تنتشر شظاياها في كل رمزية كبرى: في القدس، حيث تتصارع "شجرة الحياة" مع "الراية السوداء"، وفي دمشق، التي يحلم بها كلا الطرفين كبوابة للمهدي أو للمسيح، وفي بابل، حيث تختزن الذاكرة الجمعية لعنة السحرة الأوائل.
حتى في الإعلام، نشهد رموزاً تُمرّر بدقة. قناة تبدأ بثها عند الساعة 11:11. خطاب يبدأ في ليلة خسوف. مبنى يُقص شريطه في ذكرى اغتيال إمام أو حاخام. إنها ليست مصادفات.
السؤال الأكاديمي المحوري هنا: من سينتصر؟ هل ستغلب المصفوفات العددية للكابالا، أم الطلاسم الطائفية لسحرة قم؟
أم أن كلا الطرفين يجهل أن السحر الحقيقي ليس في الأرقام ولا الطقوس، بل في وعي الشعوب؟
في هذا الزمن المضطرب، ربما آن للعالم أن يسأل نفسه: هل نحن حقاً أحرار؟ أم مجرد قطع شطرنج في حرب رموز سحرية تدور منذ قرون فوق رؤوسنا؟
خاتمة:
ليست كل الحروب دموية، وبعض الحروب تُشن بالحبر المقدّس، بالحروف، بالدموع، وبالخرائط الطاقية. ما بين كابالا الهيكل وسحر المهدوي، يدور صراع رمزي قد يقرر مصير العالم، دون أن يُطلق فيه رصاصة واحدة.