لكلِّ بناء عمدان داعمة ورصينة تقوم عليها وترتكز؛ أُسسْ وقواعد يختل توازن هذا البناء بِدونها؛ أدوات وآليات تُؤسِّس وتَدعُم استكمال العمل، ومراقبة أدائِه، وتطويره، حتى بلوغِ المخرج النهائي المُرتجَى.
ولو أسقطنا ما ذكرنا من مثال عالِيهِ على الوظائفِ الاستشاريةِ؛ لوجدنا لها أهميَّة بالغة في نجاحِ المشاريعِ المختلفة؛ التجاريةِ منها والصناعيةِ والزراعيةِ، وحتى الخدميةِ.
واسترشادً بكلماتِ الخالقِ جل جلاله حين خصَّ عبادِهِ من جماعة الخبراء والمستشارين في كتابِهِ الحكيم فقال: "وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ"؛ نجد أن هذه الجماعة المتخصِّصة، تُعلِم الخلق وتُنبِّأهُم بجميع احتياجاتهم من الرؤى والنبوءات والتوضيحات.
يُعد الخبراء والمستشارين داخل المؤسَّسات، على اختلاف تخصصاتِهِم، أهم عُمُد العمل في جميع مراحله؛ التفكير فالتخطيط فالتنفيذ فالمتابعة فالمراجعة فالرقابة فالتقييم فالتطوير.
إن استراتيجيات وتحليلات ورؤى هذه الفئة الهامة داخل المؤسسَّات، تساعد في نجاح واستمرار وتطوير وتنمية كافة المشاريع.
هنا يجدُر بنا الإشارة إلى أن الوظائف الاستشارية تقوم على اقتياد مشاريع الشركات، بدايةً من تحليل الوضع القائم للمشروع، وتحديد الفرص والتحدِّيات التي تواجه الشركة، ومن ثَمَّ جمع المعلومات والبيانات وجميع المدخلات لاستبيان وضعيَّة هذه الفرص والتحدِّيات، واستيضاح مبدئي للحلول الموصى بها لسير العمل، ثم التخطيط قصير ومتوسط وطويل المدى، يأتي بعد ذلك العمل على المشروع، يلي هذا متابعة تنفيذ المشروع حسب تِكتيكات الخُطط الموضوعة مسبقًا، ثم استكشاف صِحَّة سيْر العمل، فالرقابة عن طريق نماذج القياس العِلميَّة المختلفة، وذلك لتصحيح الانحرافات، يتبعه تطوير الإجراءات بأخرى أكثر جدوى، وتنتهي بتقييم المخرجات.
ترجمةً لما تم سردُه بمثال تطبيقي، فإن أي مشروع سيتم التخطيط له وتنفيذه، فإنه بنسبة كبيرة لن يُ}تي ثماره؛ ونفس المشروع إذا تم عرض دراسة جدوته ومتابعته من خبراء ومستشارين متخصِّصين فإن نسبة نجاحه تكون مؤكَّدة، والأمثلة بعينها على ذلك كثيرًا.
مما عرضناه يتَّضِح لنا أن بين قوسيْ ماهيَّة وأهميَّة الوظائف الاستشاريَّة، تكمن كل مكوِّنات وأجزاء وتفاصيل العمل في الشركات بكافةِ تخصُّصاتِها؛ وأن الخبراء والمستشارين في الشركات هُم أَهَم مُحَرِّكي العمل، ولا نُبالِغ في وصفهم بِرُبَّان السفينة الذي يُحدِّد وِجهتها، ويُحافِظ على صِحَّة تَوَجُّهها، ويَقودها إلى حيث أراد أصحابها الوصول بها؛ بل أن بدون وجود استشاريين في المؤسسات، تفقد هذه المؤسَّسات خط سيرها، ويسير بها العمل بشكل عشوائي لا يُنتِج إلى مخرجَات عشوائية تقع فريسة ما بينَ صُدّفْ النجاح غيْرِ المؤكَّد، وأشباح الفَشَلْ واسِع الاحتمال.