"لحظة ولادة المعرفة: حين اخترق النور قلب البشرية بكلمة 'ٱقْرَأْ'"
في ليلة حالكة السكون، وبين ظلمات تتراكم في كهوف الكون، يأتي الأمر الإلهي. تُفتَح بوابة النور من السماء، وتُنادي الكلمات الأولى، كلمات تسكب دفء العلم ونور الحكمة. جبريل يهبط بروح الله، ناصحًا النبي الذي كان يجلس في غار حراء، متأملاً، متفكرًا في أسرار الكون، باحثًا عن الحقيقة، ساجدًا، خاشعًا، منتظرًا الفرج.
“ٱقْرَأْ” هي الكلمة الأولى التي تهزّ الأرض وتملأ الأفق بصدى عظيم. وكأنها توقظ الكون بأسره. لكنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، في حياءه العظيم، يجيب بأنه لا يعرف القراءة، فلا يقرأ، ولكنه يُقرأ، ويُلقّن تلك الكلمات النورانية.
الرب، الخالق، هو الذي جعل من العدم كيانًا حيًّا، أبدع الإنسان من علقة صغيرة، قطرة لا تكاد تُرى، لكنها تحوي سر الوجود. يتحول الإنسان من تلك النقطة المتناهية الصغر إلى كائن عظيم يحمل روحًا وعقلاً وفكرًا.
يردد جبريل، “ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلْأَكْرَمُ”، كأنما يذكر النبي أن ما يُعطى له ليس مجرد علم، بل كرم رباني يغدق به على عباده، فهو الأكرم، المعطي بلا حدود.
ويضيف، "ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ"، أداة العلم، والقلم هنا يصبح رمزًا خالدًا، يخطّ الحكمة وينقل العلم جيلاً بعد جيل، ليصبح أداة الاتصال بين الماضي والحاضر، بين الإنسان وربه، بين الأرض والسماء.
ثم تأتي الآية الأخيرة في هذا المشهد النوراني، "عَلَّمَ ٱلۡإِنسَانَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ". وهنا تنتهي الكلمات، ويبدأ طريقٌ جديد للبشرية.
انقر للتقييم