أمريكا من الداخل: خمسة مستويات تحكم الإمبراطورية وتأكل العالم"

  • انقر للتقييم

     


    المقدمة:

    حين ننظر إلى أمريكا، لا يجب أن نراها من خلال عدسة واحدة. فالولايات المتحدة ليست كيانًا بسيطًا محكومًا من قمة هرم واحدة، بل هي طبقات متشابكة، لكل طبقة مصالحها ورؤاها وأدوات تأثيرها، وقد يتصادم بعضها ببعض… لكنها تتوحد حين يتعلق الأمر بالهيمنة العالمية.

    هذا المقال يشرح الخمسة مستويات التي تشكل البنية الحقيقية للقوة الأمريكية، ويستعرض كيف يمكن لقضية محلية في حيّ شعبي أن تُنتج تأثيرًا عالميًا بسبب تفاعل هذه المستويات معًا.


    أولًا: الدولة العميقة – قلب الهيمنة وقائد الظل

    يقول مايكل جلينون (Michael J. Glennon) – أستاذ القانون في جامعة تافتس ومؤلف كتاب "الدولة الأمنية الوطنية العميقة":
    "السياسة الخارجية الأمريكية لا يقررها البيت الأبيض، بل تدار في الظل بواسطة بيروقراطية أمنية ضخمة تتجاوز الرئيس نفسه."

    الدولة العميقة تشمل:

      • البنتاغون

      • وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)

      • وكالة الأمن القومي (NSA)

      • المجمع الصناعي العسكري

    هؤلاء ليسوا موظفين بيروقراطيين فحسب، بل عماد مشروع الهيمنة الأمريكية، وهم من يخلقون "العدو الجديد"، ويشعلون الحروب في الظلام، ويهندسون الانقلابات والثورات في الدول الأخرى إذا اقتضت المصالح.


    ثانيًا: أرباب المال والصناعة – قادة الرأسمالية الجشعة

    يقول نعوم تشومسكي:
    "السيطرة الاقتصادية في أمريكا تفوق السيطرة السياسية... فالشركات الكبرى تملي القوانين لا العكس."

    يتربع على هذا المستوى:

      • أصحاب البنوك الكبرى مثل JPMorgan وGoldman Sachs

      • رؤساء شركات السلاح والطاقة والتكنولوجيا

      • لوبيات مثل AIPAC، وBig Pharma، وSilicon Valley elites

    هؤلاء لا يهمهم من يحكم، بقدر ما يهمهم:

      • خفض الضرائب

      • فتح الأسواق

      • استمرار الحروب كمصدر أرباح

    كل أزمة في العالم هي لهم فرصة، وكل رئاسة جديدة مجرد مرحلة جديدة من الابتزاز المنظم.


    ثالثًا: السياسيون والإعلام – واجهة القوة الناعمة

    كتب جوزيف ناي (Joseph Nye):
    "القوة الناعمة هي القدرة على جعل الآخرين يريدون ما تريده أنت."

    السياسيون من أعضاء الكونغرس إلى الرؤساء مجرد وجوه قابلة للتسويق، تصعد وتُسقط بأموال المستوى الثاني، وبدعم أو تدمير من إعلاميي CNN وFox وNew York Times.

    وهؤلاء هم:

      • من يصنعون الرواية للعالم.

      • من يجعلون من غزو العراق "تحريرًا"، ومن دعم الانقلابات "ديمقراطية".

      • من يُجمّلون جرائم إسرائيل، ويُشوّهون مقاومة الشعوب.

    كل ما تحتاجه أمريكا هو "رواية قابلة للتصديق"، والباقي يتم في الكواليس.


    رابعًا: الأكاديميون والطلبة – طبقة الوعي القابل للتوجيه

    هذه الطبقة صاعدة، لكنها هشة ومتغيرة. تضم:

      • أساتذة الجامعات الليبراليين أو المحافظين.

      • الطلبة الذين يتحولون إلى نشطاء، ثم إلى سياسيين أو رجال أعمال.

      • الحركات الطلابية التي تُستثمر لمعارك داخلية أو تصدّر للخارج.

    كتب فريد زكريا:
    "الحروب القادمة قد تبدأ في الحرم الجامعي، لا في ساحة القتال."

    هذه الطبقة قد تدعم فلسطين يومًا، ثم تتظاهر لأجل قضايا بيئية في اليوم التالي، لكنها ما زالت تحت تأثير البنية الأعلى في الإعلام ورأس المال.


    خامسًا: الدهماء – قاع الهرم وقوة التصويت الخطير

    الأمريكي الأبيض، القابع في ولايات الجنوب أو الوسط، يهمه:

      • البنزين في سيارته

      • سعر الهوت دوغ

      • ألا يعلو صوت المهاجر أو المسلم فوق صوته

    كتب توماس فريدمان:
    "أسوأ ما في الديمقراطية الأمريكية أنها قد تُنتج رئيسًا يدمّر العالم، فقط لأن مزارعًا غاضبًا في تكساس شعر أن الحكومة نسيت مزرعته."

    هذه الطبقة، التي لا تعرف الشرق الأوسط من باكستان، قد تصوّت لرئيس مثل ترامب لأن مذيعًا على Fox News أخبرهم أن "الليبراليين يخونون أمريكا".


    الخلاصة:

    هذه المستويات الخمسة لا تتحد دائمًا، لكنها تتكامل حين تتعلق بالهيمنة.
    تتقاتل داخليًا على الضرائب أو الإجهاض أو التعليم، لكنها تصطف صفًا واحدًا إذا شُمّت رائحة "مصلحة قومية" في العراق، أو فلسطين، أو روسيا، أو الصين.

    وهكذا قد تؤدي قضية محلية تافهة – مثل شجار شرطي مع مواطن – إلى صعود شخصية كترامب أو بايدن، وتأثير ذلك لا يقف عند حدود أمريكا… بل يمتد ليهدم دولًا، ويقلب أنظمة، ويخلق حروبًا.


    أمريكا، إذًا، لا تُفهم من شاشاتها… بل من طبقاتها.
    وإذا أردت أن تعرف سياستها، فابحث عن من يملك المال، ومن يملك الخوف، ومن يُجيد تزييف المعنى باسم الحرية.

0 تعليقات
  • ٪ s معجب بهذا