الزمنُ مرآةٌ لا تعكسُ الوجوه، بل تفضحُ ما كان خلفَها. fahem.consl2.com

نشرت من Marwan Ashmawi
fahem.consl2.com كُنّا هناك، حيثُ العمرُ بحرٌ واسعٌ لا يضيقُ بأحلامنا، حيثُ الوقتُ طفولةٌ لا تكبر، والمستقبلُ وهمٌ نركضُ نحوهُ ولا نبلغه. كنّا هناك، نرتّبُ فصولَ الحياة كما نشتهي، نختارُ أن نكونَ شمسًا لا تغيب، أن نظلَّ في الربعِ الأول، حيث لا ظلالَ للعمرِ على وجوهِنا، ولا أوهامَ تُثقلُ الخطى. لكنَّ الزمنَ لا يُشاورُ أحدًا، ولا يُقايضُ أمنياتهِ بالأيام. ها نحنُ الآن نقتربُ من الحافةِ، والظلُّ يطولُ وراءنا، نرى خطواتنا في الماءِ وهي تنحسر، والأسماءَ على الذاكرةِ وهي تتلاشى. كأنَّ الوقتَ لا يعودُ إلا ليمتحنَ صبرنا على الوداع. من كُنا نراهم كبارًا، صرنا نُشبهُهم. من كنا نظنهم في آخر الطريق، ها نحن نجاورهم. من كنا نرى خطاهم بطيئة، صارت خطواتُنا مثلهم، وربما أبطأ. يا للدهشة! كيف يُفاجئنا ما كنا نُراقبهُ طويلًا! نُدركُ الآن، أنَّ كلَّ ما لم نكترثْ لهُ كان نِعمةً، أن المشيَ بلا سندٍ معجزة، أن النومَ بلا دواء منحة، أن نعرفَ الأسماءَ في الذاكرةِ احتفالٌ لا يدوم، أن ندخلَ الحمّامَ وحدَنا طقسٌ يُغبطنا عليهِ من سبقونا إلى العجزِ. حتى الألمُ صارَ معنىً، حتى الصوتُ البعيدُ صارَ رجاءً، حتى التنفسُ صارَ صلاة. الآن، نتحسَّسُ الأيامَ بأيدينا، لا نتركُ فرصةً بلا معنى، لا نؤجّلُ عملاً حسنًا، لا نخدعُ أنفسنا بالأبديةِ الكاذبة. فما أكثرَ الذين غادروا في ربيعِهم، وما أكثرَ الذين أغلقتِ الحياةُ بابَها قبل أن يطرقوه. نحنُ الذين أدركوا الفصلَ الأخير، لم يعد لنا إلا أن نكتبَ السطرَ الأجمل، أن نُضرمَ الضوءَ في الرماد، أن نُكحّلَ الذاكرةَ بالصالحاتِ قبل أن نُصبحَ ذكرى. أيها العمرُ، أنتَ الريحُ ونحنُ الغبار، فخذنا برفق.
تم النشر ٤ فبراير - فشلت في أخرى - #العمر 
انقر للتقييم

تضمين الفيديو  |  136 عرض
0 تعليقات
  • ٪ s معجب بهذا